إسمه الكامل: محمد العروسي بن عبد الله بن المبروك بن الطاهر المامي المطوي المهذبي والإسم محمد العروسي مركب، وقد درج ا لناس على تناسي الجزء الأول منه في النداء. فهو العروسي فقط عن الأهل، وهو سي العروسي عند الأصدقاء والمعارف، ومحمد العروسي هو الابن الأصغر لأبويه، وقد أنجبا قبله الساسي والحبيب وبنتين: مريم وفاطمة.
أما جده المبروك فله بالإظافة إلى عبد الله، أبي المترجم، ثلاثة أبناء ذكور هم: أحمد وعبد الله والفيتوري.
وكل هؤلاء الإخوة والأعمام قد اشتغلوا بالفلاحة في الواحة والحقول القريبة منها، ومنهم من نزح إلى تونس للاشتغال بفندق الغلة ( سوق الخضر ).
ويظل الطاهر الجد الأكبر لمحمد العروسي المطوي، هو المؤسس الأصلي للعائلة في المطوية، واليه تنسب الفروع محليا.
وهو أول من نزح إلى القرية من جهة الصخيرة وبالتحديد من هنشير سيدي مهذب، لا يبعد عن المطوية إلا بحوالي 36 كلم.
والطاهر الجد، وان كان في شبابه قد اشتغل هو أيضا بالفلاحة إلا أنه عند الإكتهال انقطع لإمامة جامع القرية والقيام بمهمة مؤدب للأطفال فيها.
وقد كان السيخ الطاهر حافظا للقرآن شغوفا بالعلم. ولعلّ انتسابه إلى ذرية الولي الصالح" سيدي مهذب" قد رشحه إلى تولي هذه الخطط الدينية التي كانت التزكية فيها مرتكزة على الكفاءة وطيب الذكر.
وقد ترك هذا الجد الأكبر من الأبناء بالإظافة إلى المبروك: محمد و مهذب وعلي، وهم الفروع المنتسبون إلى آل طاهر بالمطوية.
ولم تكن نسبة المهذبي خاصة فقط بهذه الدار وإنما تشمل أيضا عائلات أخرى نزحت بدورها من سيدي مهذب إلى الواحة، منها عائلة القصبي وعائلة سعد الله، و وهي عائلات كانت إلى قريب لا تدفع عشر المزارع عند حرثها للأراضي التابعة لهنشير الزاوية والتي ما تزال إلى الآن تابعة للقطاع الاشتراكي الراجع بالنظر للمجموعة العامة في الجهة.
أمه وجده لأمه:
أم محمد العروسي المطوي هي بنت أحمد بالساسي، وهذه الأم تنتسب بدورها إلى ذرية سيدي أحمد الفقير، الملقب بالصيد الأصفر. وهو من الأشراف الوافدين على المطوية من الساقية الحمراء، حسب الرواية المتواترة عن أحفاده من دار الساسي ودار الفقير.
والجبانة القديمة للقرية تحمل اسم هذا الولي الصالح المدفون فيها، وقد شيدت على قبره قبة ما تزال مزار الحفيدات والأحفاد وبقية المتبركين بتربته من أهل القرية.
نسبته ولقبه:
ينسب محمد العروسي المطوي بثلاث نسب مكانية متلاحقة، وان تغلبت نسبة المطوي على أختيها بالترجيح، ولأسباب موضوعية سوف نأتي على ذكرها في ما يلي وهو المامي: نسبة إلى الماية، وهي منطقة مجاورة إلى بلدة المطوية، وتظلها نفس الواحة، وان اختلفت بينها الحدود في الماضي، فالماية توجد في المنطقة الشرقية من الواحة بينما توجد المطوية التي كانت تسمى " البلد" في عرف السكان، في المنطقة الغربية.
وهذه الحدود ليست جغرافية ترابية فقط، بل هي أيضا قبلية حزبية، إذ كانت بين القريتين خصومات وثارات ظلت دائما حية الانتساب أحداهما " حزب يوسف" والثانية إلى"شداد " في الماضي، والى " الغرانطة " و " الدساترة " خلال هذا القرن. وبسبب هذا العداء التاريخي ظل أطفال الجهتين يتراشقون بالحجارة في كل عيد إحياء لسنة الأجداد في تغذية الأحقاد.
وقد عاش محمد العروسي المطوي هذه المشاحنات في طفولته، وسجل ذكرياته عنها في كتابه الأخير " رجع الصدى " وله في تأويلها غير ما ذكرناه.
أما النسبة الثانية التي حذفت من بطاقة تعريف المترجم له فهي: " المهذبي ". وهي كما أشرنا آنفا نسبة إلى المهاذبة، وتعني جهة الصخيرة، كما تعني القبيلة المالكة للهنشير هناك، ومنها نزح الجد الأكبر لعائلة آل طاهر. وإنما ظلت نسبة المطوي وهي الثالثة، قائمة في اعتقادنا بسبب نزوحه إلى العاصمة ومواصلته الدراسة والحياة فيها، واشتهاره بذلك اللقب في أعماله الأدبية والعلمية والدبلوماسية، ولهذا احتفظ بهذا اللقب عندما ظبطت الألقاب بعد الاستقلال.
والمعروف عن النازحين من مختلف أنحاء الإيالة في الماضي انهم يحافظون دائما على نسبهم القبلية أو الجهوية تعلقا بانتماءاتهم العرقية واعتزازا بأصولهم ومفاخرة بجهاتهم ومعالمهم الحضارية. وكان أهل المطوية بقسميها: المستوطنون بالعاصمة، وهم كثر، ينتسبون فيها بنسبتين مختلفتين: نسبة " قابسي لمن هم من الأغراب، ولا يعرفون قرى الجنوب، مثلهم مثل أهل الحامة ومارث ومطماطة من أصيلي جهة الاعراض.
ونسبة المطوي لمن هم من أبناء المنطقة الذين يعرفون مختلف القرى والمداشر فيها ويفرقون بين الأصول والقبائل.
والفارق بين النسبتين ليس جغرافيا فقط أو للتقريب، وإنما أيضا للتمايز الوصفي والاعتزاز بالأرومة واستثارة الحمية.
وقد رجعت نسبة المطوي عند أديبنا لهذه الأسباب مجتمعة، وعوضت بالنسبة له اللقب العائلي الأصلي الذي هو الطاهر أو " بن طاهر ". عرف المطوي بنسبته هذه منذ إن كان طالبا، أو على الأقل منذ إن بدأ في نشر مقالاته، وهو طالب. ثم ثبت له بعد ذلك في تحريراته الأدبية والعلمية وفي الإشهار له أو التحدث عنه.
ولادته ونشأته:
ولد محمد العروسي المطوي في "الماية القديمة " يوم 19 جانفي 1920 وبها نشأ قبل ان ينتقل به أهله إلى " الماية الجديدة " أو " الظهرة " كما كان يسميها أهلها آنذاك.
وقد لجأ سكان الماية القديمة " إلى الظهرة " هروبا من الرطوبة التي أصبحت لا تطاق داخل الواحة، خاصة بعد حفر الأهالي لبئر" الملاحة" الإرتوازية ثم لتوالي الفيضانات على الجهة في نهاية العقد الثاني من هذا القرن.
وآل طاهر هم من ابتنى دارا في الظهرة، "الماية الجديدة" الواقعة في الشمال الشرقي من القرية، ثم تبعهم الناس شيئا فشيئا في هذه النقلة الصحية.و ما عتم أن أتى البلى على الماية القديمة و لم يبق منها ا لا أثار مطموسة و بعض معالم الطريق, ثم احتوتها الواحة و فلحها أهلها, و ضموا بعض بيوتهم إلى أجنتهم و بساتينهم.
تعليمه الابتدائي:
" بدأ محمد العروسي المطوي المرحلة الأولى من تعليمه الابتدائي بالماية القديمة في كتاب الشيخ عمر بن يعقوب مؤدب الأجيال في القرية. ثم انتسب سنة 1928 بعامل الصدفة إلى التعليم النظامي بالمدرسة العربية الفرنسية بالمطوية، التي كانت تسمى خطأ " الكوليج ".
فقد اعترضه يوما أحد أترابه في الطريق متقلدا محفظة متجها إلى المدرسة، ولما عرض عليه مصاحبته إلى " الكوليج" لم يتردد الفتى في قبول العرض، ولم يتهيب بالدخول معه إلى القسم وهناك أعطاه المعلم لوحة وقطعة من الطباشير وسجل اسمه في الدفتر، وبذلك أمكنه حضور درسه النظامي الأول وعمره 8 سنوات.
و لم يعترض أهل محمد العروسي المطوي على هذا الانتساب المفاجىء إلى المدرسة الرسمية و بذلك استطاع العودة من الغد إلى القسم وواضب على حضور الدروس واستمر يدأب على التحصيل حتى سنة 1935 وهي السنة التي تقدم فيها لنيل الشهادة الابتدائية بقابس لكنه لم ينجح في إحرازها خلال الدورة الأولى بسبب مغص معوي منعه من إتمام الإختبارعلى الصورة المثلى.
وسافر محمد العروسي المطوي إلى تونس في أواخر العطلة الصيفية من نفس السنة، بعد مشاركته في موسم الحصاد بهنشير سيدي مهذب مع أخيه وبعض أقربائه، لمواصلة الدراسة. وسكن عند حلوله بالعاصمة في وكالة " نهج سيدي غرس الله " عدد 10، وهي "وكالة" كان ينزل بها أبوه عبد الله وعدد من أبناء القرية العاملين في فندق الغلة.
وبعد أيام من وصوله إلى الحاضرة شارك في الدورة الثانية للشهادة الابتدائية بمدرسة " فابريكات الثلج " الابتدائية، ومنها تحصل على الشهادة في دورة سبتمبر 1935.
تعليمه الثانوي:
لم يتردد محمد العروسي المطوي طويلا في الاختيار عندما سأله أخوه " محمد الساسي " الذي كان يأويه، ما إذا كان يريد مواصلة التعلم بجامع الزيتونة أم بالصادقية فقد أجاب الفتى بكل حزم بجامع الزيتونة، قال ذلك وهو يفكر في شيخ من متطوعي الجامع الأعظم، كان يتردد على القرية في العطل الصيفية لزيارة أهله وأصهاره. وكان يلقى من الناس كل أنواع التبجيل والإكرام. كما أن مدرسة الصادقية لم تكن واضحة في ذهنه. وقد ظلت صورة هذا الشيخ تأسره بنصاعتها، وهو في مجلسه داخل أجنة الواحة أو في الساحة أمام المقهى، وقد تحلق حوله الوجهاء والأعيان ليجيب عن أسئلتهم أو ليحادثهم عن الزعماء ومجريات السياسة. وهذا الشيخ هو الذي اشرف عن انخراطه في سلك التعليم بالزيتونة.
وسجل محمد العروسي المطوي إسمه لمتابعة السنة الأولى من التعليم الزيتوني بجامع القصبة وذلك خلال العام الدراسي 1935/1936 . وواصل السنة الثانية في نفس الجامع. ولكن الدروس تعطلت في بداية سنة 1937 بسبب الاضطرابات، وطالت مدة التعطيل فاضطرت مشيخة الجامع إلى إلغاء الامتحانات بالنسبة إلى تلك السنة. وهكذا لم يكمل العروسي المطوي المرحلة الأولى من تعليمه الزيتوني إلا في سنة 1940. وهي السنة التي أحرز فيها على شهادة الأهلية بملاحظة حسن مع الجائزة.
وقد تنقل خلال هذه المرحلة من تعليمه بالسكنى من مدرسة " صاحب الطابع " إلى " المدرسة المتيشية " التي ظل فيها خلال سنوات الحرب أيضا.
وتابع محمد العروسي المطوي المرحلة الثانية من تعليمه الزيتوني دون عراقيل تذكر، رغم الحوادث التي كانت تونس مسرحا لها خلال الحرب العالمية الثانية. فقد نجح في امتحانات النقلة من سنة إلى سنة على التوالي إلى أن أحرز على شهادة التحصيل في العلوم سنة 1943 .
تعليمه العالي:
تابع محمد العروسي المطوي تعليمه الزيتوني العالي بحضور دروس العالمية شعبة الآداب, وذلك مدّة ثلاث سنوات متتالية, توجها بإحرازشهادة "العالمية " سنة 1946, وقد تولّى خلال هذه المدّة مشيخة المدرسة المرجانية الّتي إنتقل بالسّكنىاليها بعد انقضاء الحرب.
وقد كان المترجم له في الأثناء قد انتسب إلى المدرسة التونسية العليا للحقوق, وقضى بها عامين حصل إثرهما على شهادة الحقوق سنة1945 أيضا.
كما انتسب بعد ذلك إلى معهد البحوث الإسلامية التابع للمدرسة الخلدونية, ومنه أحرز الإجازة العليا للبحوث الإسلامية سنة1947.
وهكذا تابع محمد العروسي المطوي في هذه المرحلة من تعليمه العالي كلّ الدراسات التي كانت متاحة لأمثاله من الزيتونيين الطموحين الراغبين في الحصول على المعرفة, مهما كان نوعها, ومهما كان مأتاها.
هذا بالإضافة إلى بقية الأنشطة الرياضية والفكرية التي كان يقسّمها بينها أوقاته خلال تلك الفقرة من حياته, والتي سنذكرها له عند استعراضنا للجوانب المتنوعة والمتعددة لشخصيته الثرية.
أهم شيوخه في الزيتونة:
يذكرمحمد العروسى المطوي من بين المشائخ الذين أخذ عنهم العلم و الأدب في مختلف مراحل تعليمه الزيتوني الأساتذة:محمد العربي الكابادي، مصطفى سلام، احمد بن عامر، محمد بو شربية، محمد بنية, معاوية التميمي, المختار بن محمود, الهادي العلاني, محمد الزغواني, الحطاب بوشناق, احمد المختار الوزير, عبد السلام التونسي, محمد بوعزيز, إبراهيم النيفر, محمد غويلية, عبد الوهاب الكراطي, عمر العداسي, الناصر الصدام, التارزي بن كبريتة و غيرهم كثير. و قد عدد لنا هذه الأسماء بدون ترتيب أو تفضيل, ولما سألناه عن اقرب هؤلاء المشايخ إلى نفسه و أشدهم تأثيرا فيه, أجابنا: "محمد العربي الكبادي, معاوية التميمي, محمد بنية, احمد المختارالوزير, عبد السلام التونسي ومحمدالمختاربن محمود". ولما استغربنا عدم وجود اسم "الطاهر بن عاشور"أو "الفاضـل" ابنه من بين شيوخه قال: "كان الطاهر الأب مشغولا عن التدريس بمشيخة الجامع و شؤونها الإدارية أما الابن فلم يسعفني الحظ في التتلمذ عليه و أن كنت حضرت له بعض المحاضرات الحرّة على هذه الجمعية أو تلك".